مرحبا بكم في موقع الدكتور

سلمان بن محمد عبد الغني القاسمي

كلمة الدكتور

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

         فإن العِلم يُتَعَرَّضُ له، ولا يناله شخص تعرّض له إلا أن يأتي العلمُ بنفسه إليه. ولو تفكّرتَ في آيات العلم في القرءان الكريم لوجدتَ فيها:

(وعلَّم آدم الأسماء كلها) آية31 من سورة البقرة، (آتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدنا علما) آية65 من سورة الكهف، (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ) آية43 من سورة مريم، (وعلّمناه صنعة لبوس لكم) آية80 من سورة الأنبياء، أي نبي الله داوود، عليه وعلى أنبياء الله السلام، (وأُوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين) آية42 من سورة النمل، (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) آية11 من سورة المجادلة، فالعلم يُتَعَرَّض له، ولكنه هبة من الله يؤتيها من يشاء.

         والعلم درجات، لن تصل إلى الدرجة الثانية حتى تُتقن الأولى، ولن تصل للثالثة حتى تُتقن الثانية، ومن استعجل لن يتعلّم أبداً. وهذه آفة المتعلمين، فإنهم يسعون لنيل الشهادة، ولا يصعدون من درجة إلى أخرى باستحقاق، بأن يهضموا الدرجة السابقة تماماً، بل هم يسلقونها سلقاً ويهرسونها هرساً دون هضم ولا استيعاب. ولذلك يبقى بناؤهم مخلخلاً ركيكاً، ومن أراد أن يتعلم عليه أن يسلك هذه الدرجات. وكلمة "درجات" عجيبة، فهي مذكورة في كتاب الله في مواضع كثيرة، ففي غير سورة المجادلة، هناك آية253 من سورة البقرة (ورفع بعضهم درجات)، حتى رسل الله هم درجات عند الله، وآية أخرى: (رفيع الدرجات ذو العرش) آية15 من سورة غافر، فالدرجات عند الله كثيرة ورفيعة، ورفيعة لها معنيان: معنى أنها تصل إلى مراتب عالية مرتفعة جداً، ومعنى أنها دقيقة التقسيم، وفي سورة آل عمران: (هم درجات عند الله) آية١٦٣، وفي سورة البقرة (وللرجال عليهن درجة) آية228، فهناك تفاوت في الدرجات بين الرجال والنساء. فمن أراد أن يتعلم، فلابد له أن يحصل العلم الأدنى قبل أن ينتقل إلى العلم الأعلى، لا تستطيع أن تفهم الجبر إذا لم تتقن الحساب، ولا تستطيع أن تتقن الحساب إذا لم تتقن معرفة الأرقام، وهناك علوم ينبغي الاهتمام بها لأنها ينبني عليها كثير من العلوم الأخرى، وهذه العلوم يسمونها علوم الآلة، ومن علوم الآلة: الكتابة والخط والحساب والنحو والصرف وكثير غيرها، ومن سلك هذا الطريق وأعطى كل درجة حقها حتى تعلمها وأتقنها، فإنه سيرتقي ويصبح عالماً، ونباهته أو بلادته تقصر عليه الطريق أو تطوّله. فالنبيه شديد الانتباه سيرتقي بسرعة من شدة انتباهه، والبليد أو الغافل أو الساهي أو المشغول أو الحيي الذي يستحيي أن يسأل معلمه، فإنه لا يتقن بسرعة، ولو قفز إلى الدرجة التالية دون أن يهضم الدرجة التي قبلها ويتعلمها تماما، فإنه لن يصبح عالماً، وسيبقى بناؤه ركيكاً. فنصيحتي لكل من يريد علما بأن يحصّله من بابه، وأن يصبر عليه، وأن يكون شديد التركيز والانتباه، وقبل كل ذلك وأثناءه وبعده، أن يُكثر من الدعاء بأن يفتح الله عزّ وجل عليه، وأن يعلّمه. فالله عزّ وجل قال: (ففهمناها سليمان) آية٧٩ من سورة الأنبياء، غاصت المسألة وعاصت على نبي الله داوود عليه وعلى نبينا السلام، ولكن نبي الله سليمان عليه وعلى نبينا السلام فهِم المسألة. ولعلكم لا تعرفون المسألة، فأذكّر بها من نسيها، وأعلّم من لم يعلمها: كان هناك رجلان أحدهما مزارع عنده بستان فيه ثمار شتى، وآخر راع عنده غنم. فأنفلتت أغنام الراعي في بستان المزارع فأكلت ثماره، فاحتكما إلى داوود عليه وعلى نبينا السلام، فحكم داوود عليه وعلى نبينا السلام بالغنم للمزارع، لأنها أكلت بستانه، عقوبة للراعي، فرأى نبي الله سليمان أن هذا الحكم حرم صاحب الغنم من غنمه نهائياً، بينما صاحب المزرعة مزرعته ستنبت في الحول القادم، فقال له: "يا أبتاه، لو أعطيتَ غنم الراعي إلى البستاني ليرعاه ويستفيد منه، وأعطيتَ الراعي بستان البستاني ليعتني به وينبته ثانية، فإذا انقضى الحول أعاد هذا غنم هذا إليه، وأعاد هذا بستان هذا إليه". فرضي نبي الله داوود عليه وعلى نبينا السلام بحكم سليمان عليه وعلى نبينا السلام، ووجد أنه أصوب من حكمه هو، وهذا هو أرجح ما قيل في قوله تعالى: (وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان) آية78-79 من سورة الأنبياء. فالدعاء لا شك يفتح الأبواب، ويستجلب عطاء الوهاب، ومن علّمه الله وفتح عليه، صعد في درجات العلم أسرع كثيراً ممن لم يطرق باب الدعاء ولم يلجأ إلى هذا العطاء.

أسأل الله لكم التوفيق جميعا، وأن يهدينا سبل السلام، وأن يعلّمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علّمنا، وأن يزيدنا علما. وأن يجعلنا ممن وهبهم رحمة وعلما، فالعلم بلا رحمة شر ووبال، ألم تر أنه قد قتل بالقنبلة الذرية مئات الألوف، والقنبلة الذرية تحصلوا عليها بعلم الذرة. هذا علم لا رحمة فيه، ولو قرنت معه الرحمة لم يستخدموه في قتل البشر. فسلوا الله أن يهبكم رحمة وعلما، فإن سألتموه العلم فقد يكون فتنة لأنه قال في بعض الناس: (فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم)، ولكن من أوتي الرحمة مع العلم فقد أفلح وأنجح، وقد وصف الله عز وجل الخضر عليه وعلى نبينا السلام بقوله: (فوجدا عبدا من عبادنا ءاتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدنا علما) آية٦٥ من سورة الكهف.

فأول صفة لمجيء العلم لمن تعرّض له هي أن يكرمه الله أولا بالعبودية له عز وجَلّ والخضوع له والطاعة لأمره. والصفة الثانية وهي هبة من الله عز وجل لمن شاء: أن يكرمه مرة أخرى بالرحمة في قلبه، بأن يكون رحيماً بخلقه. والصفة الثالثة أن يكرمه بأن يعلّمه. فهذه ثلاث صفات، كلها عطاءات ربانية، ولا تنال إلا بالدعاء والرجاء والابتهال إلى الله عز وجل، وأن تفهم مغزى هذا العلم بأن تسخّره لعباد الله لتنفعهم لا لتؤذيهم ولا لتضرهم ولا لتسيطر عليهم وتأطرهم على ما تشاء من رغباتك ونزواتك.

         نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أنبياء الله أجمعين وعلى عباد الله الصالحين،

والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.



السيرة الذاتية

محاضرات

معمليات

مقالات

أشعار

افكار

اتصل بنا

للإتصال بنا و عند وجود أي مقترحات بالنسبة للموقع او المواد العلمية الموجودة بالموقع الرجاء المراسلة عبر البريد الإلكتروني

salmanalkasimi@yahoo.com
Salmanalkasimi@gmail.com